تشهد الساحة الاقتصادية في كل من العراق وإيران تطورات لافتة تتعلق بالسياسات النقدية والمصرفية، حيث تتجه بغداد نحو تعزيز كتلتها النقدية بإصدار فئة جديدة، بينما تصارع طهران لضبط أسعار الصرف عبر آليات تسعير مستحدثة، في خطوات تعكس سعي البنكين المركزيين في البلدين الجارين للسيطرة على حركة السوق والسيولة.
فئة عشرينية لسد الفجوة النقدية
في العاصمة العراقية بغداد، تتسارع الخطوات نحو إصدار ورقة نقدية جديدة من فئة 20 ألف دينار، وهي خطوة خضعت لنقاشات نيابية موسعة ترأسها النائب الأول لرئيس مجلس النواب، محسن المندلاوي، بحضور محافظ البنك المركزي، مصطفى غالب. وتأتي هذه التحركات لطرح فئة وسيطة من شأنها تسهيل التعاملات اليومية للمواطنين، إذ أوضح إحسان شمران الياسري، مستشار البنك المركزي العراقي، أن الهدف الأساسي هو تحسين هيكلية العملة الوطنية؛ فبدلاً من حمل كميات كبيرة من الأوراق النقدية الصغيرة كأربع ورقات من فئة خمسة آلاف أو ورقتين من فئة عشرة آلاف، ستفي الورقة الجديدة بالغرض، مما يعزز انسيابية التداول النقدي.
النقاشات لم تخلُ من التساؤلات حول الجدوى الاقتصادية، حيث أكدت نيرمين معروف، عضو اللجنة المالية النيابية، أن الاجتماعات ركزت على فهم الدوافع الحقيقية وراء هذا القرار وتوقيت طرحه. وفي هذا السياق، طمأن “الياسري” الأسواق بأن الإصدار الجديد لن يؤثر سلباً على الكتلة النقدية أو قيمة العملة، ولن يكون بديلاً عن الفئات القديمة التي ستستمر في التداول، بل هو إضافة نوعية لتعزيز سلاسل العملة الوطنية.
مواصفات قياسية وسباق تقني
وفيما يتعلق بالجوانب الفنية للإصدار العراقي المرتقب، كشف مستشار البنك المركزي أن الورقة الجديدة ستتمتع بأحدث العلامات الأمنية المتوفرة عالمياً، مشيراً إلى وجود سباق مستمر بين شركات الطباعة العالمية لضمان ديمومة الأوراق النقدية وحمايتها من التلف والتزوير. ومن المقرر أن يكون حجم الفئة الجديدة مقارباً لحجم فئة 50 ألف دينار، وهو المعيار العالمي المعتمد حالياً، خلافاً للفئات القديمة العريضة التي طُبعت مطلع الألفية.
ورغم التحفظ الحالي على كشف التصميم النهائي للورقة، إلا أن التأكيدات تشير إلى أنها ستحمل بصمات تراثية وحضارية تعكس الهوية العراقية، ومن المتوقع طرحها رسمياً في غضون فترة لا تتجاوز الستة أشهر. وبرر المسؤولون العراقيون عدم الاتجاه لطرح فئات أكبر من 50 ألف دينار بالمخاطر الأمنية، حيث تُعتبر الفئة الخمسينية الحالية ملائمة لأغراض الادخار المنزلي ومقبولة من حيث القيمة الشرائية مقارنة بالدولار.
تذبذب العملة ومساعي السيطرة في طهران
على المقلب الآخر من الحدود، يواجه البنك المركزي الإيراني تحديات مختلفة تتعلق بضبط أسعار الصرف أمام الدولار الأمريكي. فقد أعلن مركز تبادل العملات والذهب التابع للبنك (ICE) عن سعر رسمي جديد للدولار، في محاولة لضبط إيقاع الأسعار وتسهيل حصول المستوردين على العملة الصعبة. وبحسب الإعلان الأخير، تم تحديد سعر صرف الدولار المخصص للطلاب والمواطنين الراغبين في السفر عند 1,075,050 ريالاً، وهو السعر الذي تم التوصل إليه عبر تداولات القاعة الثانية في المركز.
هذا التعديل يأتي في وقت سجلت فيه القاعة الرئيسية للمركز، المعنية بتوفير العملة لاستيراد السلع الأساسية كالأدوية والأغذية، سعراً بلغ 736,254 ريالاً للدولار. وتُشير التوقعات إلى أن السعر الجديد سيشكل مؤشراً مرجعياً للتداولات الرسمية في الأيام المقبلة، حيث يحدد سعر الإغلاق عادة نقطة الانطلاق لتداولات اليوم التالي.
الفجوة مع السوق الموازية
ورغم إطلاق البنك المركزي الإيراني آليات تداول جديدة في نوفمبر 2023 لتحل محل منصة “نيما” القديمة، بهدف السماح للمصدرين والمستوردين بالتفاوض المباشر، إلا أن الانتقادات لا تزال تلاحق السياسات النقدية بسبب استمرار الفجوة الكبيرة مع السوق الحرة. فقد تجاوز سعر الدولار في السوق الموازية بطهران حاجز 1,300,000 ريال، مما يعكس صعوبة السيطرة الكاملة على الأسعار.
وقد أشارت تقارير محلية إلى أن القرارات الحكومية الأخيرة، بما فيها السماح للمستوردين باستخدام مواردهم الخاصة من العملة الصعبة لاستيراد السلع الأساسية دون الإفصاح عن المصدر، قد ساهمت بشكل غير مباشر في ارتفاع الأسعار بنسبة قاربت 15% خلال أسبوع واحد فقط، مما يضع السلطات النقدية في طهران أمام اختبار صعب للموازنة بين توفير السلع وضبط التضخم.
